25 عاما من الإبداع: سعودية تعيد إحياء صناعة الشنة وتحافظ على تراث العلا الأصيل
واحات النخيل الخضراء في محافظة العلا، تبرز السيدة هيلة العنزي كإحدى الشخصيات البارزة التي كرّست أكثر من 25 عامًا من حياتها للحفاظ على حرفة "صناعة الشنة" التقليدية، وهي من أقدم الطرق المستخدمة في المنطقة لحفظ التمور.
إقرأ ايضاً:السعودية تحدد 7 أسباب للغياب بعذر وتكشف عن العقوبات المحظورة للطلابعاجل | رونالدو يثير الجدل بقرار مفاجئ عن مستقبله مع النصر قبل نهاية التوقف الدولي
منذ طفولتها كانت هيلة تراقب وتتعلم أسرار الحياكة اليدوية ومعالجة الجلود من كبار الحرفيين في العُلا، فاستوعبت فنون الحرفة وأتقنتها حتى أصبحت واحدة من أبرز المعلمين لهذه الصناعة التي تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا وثقافة غنية للمجتمع المحلي.
حرفة الشنة: تاريخ عريق وتقنيات تقليدية
تعتمد صناعة الشنة على تقنيات قديمة وطريقة حياكة يدوية متقنة، حيث يتم استخدام الجلود الطبيعية (عادة جلود الماعز أو الأغنام) التي يتم معالجتها بطريقة تقليدية لزيادة قوتها ومرونتها.
تبدأ العملية بتجهيز الجلد وتنظيفه، ثم يطوى بطريقة خاصة لصنع حافظات متينة وجميلة. هذه الحافظات لا تقتصر على حفظ التمور وحمايتها من العوامل الجوية مثل الحرارة والرطوبة، بل أصبحت أيضًا تمثل جزءًا من الهوية الثقافية للمجتمع في العلا.
الشنة التي تصنعها هيلة ليست مجرد أداة لحفظ الطعام، بل هي أيضًا قطع فنية تحمل في طياتها اللمسات التقليدية التي تروي تاريخ المنطقة. كما أن تصاميم الشنة تتنوع بين الأحجام والأشكال لتتناسب مع احتياجات المجتمع المحلي من ناحية، واهتمامات الزوار والسياح من ناحية أخرى، الذين يجدون فيها هدية تذكارية تحمل روح الأصالة والتراث.
إحياء التراث وتعزيز الهوية الثقافية
من خلال مهارتها في صناعة الشنة، ساهمت هيلة في إحياء هذه الحرفة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث العُلاوي. الشنة التي تصنعها هيلة أصبحت رمزا للتراث، وتحولت بمرور الزمن إلى أحد المعالم الثقافية التي يفتخر بها أهالي المنطقة. وقد جذبت هذه الحرف اليدوية العديد من السياح المهتمين بالتراث، حيث يسعى العديد منهم لاقتناء الشنة كهدية تذكارية أو كقطعة فنية تحمل قيمة تاريخية، مما يعكس الاهتمام المتزايد بالحفاظ على التراث الثقافي المحلي.
نقل الخبرة للأجيال القادمة
لكن هيلة لا تقتصر جهودها على صناعة الشنة فقط، بل هي تسعى بجدية إلى نقل معرفتها وخبرتها إلى الأجيال الجديدة لضمان استمرارية هذه الحرفة العريقة. فهي تقوم بتدريب الفتيات في العلا على فنون صناعة الشنة، مما يساعد في الحفاظ على هذه الحرفة للأجيال القادمة ويتيح للشباب فرصة للتعرف على تقاليد أجدادهم وتعلمها.
وبذلك، لا تقتصر جهود هيلة على الحفاظ على التراث المادي فقط، بل هي تسهم بشكل فعال في المحافظة على التراث الثقافي اللامادي، وتساعد على إحياء الحرف التقليدية التي قد تكون في خطر الاندثار في ظل التغيرات العصرية. من خلال هذا العمل، لا تساهم هيلة في الحفاظ على هوية العلا الثقافية فحسب، بل تفتح أيضًا الأبواب أمام فرص اقتصادية جديدة لأبناء المنطقة عبر صناعة فريدة تدمج بين الحرف التقليدية والسياحة.
بهذا الشكل، لا تقتصر إنجازات السيدة هيلة العنزي على كونها مجرد صانعة للشنة، بل هي تُعتبر رمزا حيا للتفاني في الحفاظ على التراث، وتجسيدًا لروح العلا التي ترفض أن تندثر تقاليدها. وبفضل هذه الجهود، لا تزال الشنة تمثل أكثر من مجرد حرفة يدوية؛ إنها قصة مستمرة من الإبداع والابتكار تساهم في ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، لتظل شاهدة على أصالة هذه الأرض وثقافتها العريقة.